سورة طه - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


{وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} أي: سهل علي ما أمرتني به من تبليغ الرسالة إلى فرعون. {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} وذلك أن موسى كان في حجر فرعون ذات يوم في صغره، فلطم فرعون لطمة وأخذ بلحيته، فقال فرعون لآسية امرأته: إن هذا عدوي وأراد أن يقتله، فقالت آسية: إنه صبي لا يعقل ولا يميز. وفي رواية أن أم موسى لما فطمته ردته، فنشأ موسى في حجر فرعون وامرأته آسية يربيانه، واتخذاه ولدا، فبينما هو يلعب يوما بين يدي فرعون وبيده قضيب يلعب به إذ رفع القضيب فضرب به رأس فرعون، فغضب فرعون وتطير بضربه، حتى هم بقتله، فقالت آسية: أيها الملك إنه صغير لا يعقل فجربه إن شئت، وجاءت بطشتين: في أحدهما الجمر، وفي الآخر الجواهر، فوضعتهما بين يدي موسى فأراد أن يأخذ الجواهر، فأخذ جبريل بيد موسى فوضعها على النار فأخذ جمرة فوضعها في فمه فاحترق لسانه وصارت عليه عقدة. {يَفْقَهُوا قَوْلِي} يقول: احلل العقدة كي يفقهوا كلامي. {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا} معينا وظهيرا، {مِنْ أَهْلِي} والوزير من يوازرك ويعينك ويتحمل عنك بعض ثقل عملك، ثم بين من هو فقال: {هَارُونَ أَخِي} وكان هارون أكبر من موسى بأربع سنين، وكان أفصح منه لسانا وأجمل وأوسم، وأبيض اللون، وكان موسى آدم أقنى جعدا. {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} قو به ظهري. {وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} أي: في النبوة وتبليغ الرسالة، وقرأ ابن عامر {أشدد} بفتح الألف {وأشركه} بضمها على الجواب، حكاية عن موسى، أي: أفعل ذلك، وقرأ الآخرون على الدعاء.
والمسألة، عطفا على ما تقدم من قوله: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي}.


{كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا} قال الكلبي: نصلي لك كثيرا. {وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} نحمدك ونثني عليك بما أوليتنا من نعمك. {إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا} خبيرا عليما. {قَالَ} الله تعالى: {قَدْ أُوتِيتَ} أعطيت، {سُؤْلَكَ} جميع ما سألته، {يَا مُوسَى} {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ} أنعمنا عليك، {مَرَّةً أُخْرَى} يعني قبل هذه المرة وهي: {إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ} وحي إلهام، {مَا يُوحَى} ما يلهم. ثم فسر ذلك الإلهام وعدد نعمه عليه: {أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ} أي: ألهمناها أن اجعليه في التابوت، {فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ} يعني نهر النيل، {فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ} يعني شاطئ النهر، لفظه أمر ومعناه خبر، مجازه: حتى يلقيه اليم بالساحل: {يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ} يعني فرعون. فاتخذت تابوتا وجعلت فيه قطنا محلوجا ووضعت فيه موسى، وقيرت رأسه وخصاصه- يعني شقوقه- ثم ألقته في النيل، وكان يشرع منه نهر كبير في دار فرعون، فبينما فرعون جالس على رأس البركة مع امرأته آسية إذ بتابوت يجيء به الماء، فأمر الغلمان والجواري بإخراجه، فأخرجوه وفتحوا رأسه فإذا صبي من أصبح الناس وجها، فلما رآه فرعون أحبه بحيث لم يتمالك، فذلك قوله تعالى: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} قال ابن عباس: أحبه وحببه إلى خلقه: قال عكرمة: ما رآه أحد إلا أحبه. قال قتادة: ملاحة كانت في عيني موسى، ما رآه أحد إلا عشقه.
{وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} يعني لتربى بمرآي ومنظر مني، قرأ أبو جعفر {ولتصنع} بالجزم.


{إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ} واسمها مريم، متعرفة خبره، {فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ}؟ أي على امرأة ترضعه وتضمه إليها؛ وذلك أنه كان لا يقبل ثدي امرأة، فلما قالت ذلك لهم أخته قالوا: نعم، فجاءت بالأم فقبل ثديها، فذلك قوله تعالى: {فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا} بلقائك، {وَلا تَحْزَنْ} أي: لأن يذهب عنها الحزن.
{وَقَتَلْتَ نَفْسًا} قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان قتل قبطيا كافرا. قال كعب الأحبار: كان إذ ذاك ابن اثنتي عشرة سنة، {فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ} أي من غم القتل وكربه، {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} قال ابن عباس رضي الله عنه: اختبرناك اختبارا. وقال الضحاك ومقاتل: ابتليناك ابتلاء. وقال مجاهد: أخلصناك إخلاصا.
وعن ابن عباس في رواية سعيد بن جبير: أن الفتون وقوعه في محنة بعد محنة خلصه الله منها، أولها أن أمه حملته في السنة التي كان فرعون يذبح الأطفال، ثم إلقاؤه في البحر في التابوت، ثم منعه الرضاع إلا من ثدي أمه، ثم أخذه بلحية فرعون حتى هم بقتله، ثم تناوله الجمرة بدل الدرة، ثم قتله القبطي، وخروجه إلى مدين خائفا. فكان ابن عباس يقص القصة على سعيد بن جبير، فعلى هذا معنى: {وَفَتَنَّاكَ} خلصناك من تلك المحن، كما يفتن الذهب بالنار فيخلص من كل خبث فيه والفتون: مصدر.
{فَلَبِثْتَ} فمكثت، أي: فخرجت من مصر فلبثت، {سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ} يعني ترعى الأغنام عشر سنين، ومدين بلدة شعيب عليه السلام على ثمان مراحل من مصر، هرب إليها موسى. وقال وهب: لبث عند شعيب عليه السلام ثمانيا وعشرين سنة، عشر سنين منها مهر ابنته صفيرا بنت شعيب، وثمان عشرة سنة أقام عنده حتى ولد له.
{ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} قال مقاتل: على موعد ولم يكن هذا الموعد مع موسى وإنما كان موعدا في تقدير الله، قال محمد بن كعب: جئت على القدر الذي قدرت أنك تجيء.
وقال عبد الرحمن بن كيسان: على رأس أربعين سنة، وهو القدر الذي يوحى فيه إلى الأنبياء، وهذا معنى قول أكثر المفسرين، أي على الموعد الذي وعده الله وقدره أنه يوحى إليه بالرسالة، وهو أربعون سنة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8